
الجزء الاول
دواعي الاشكالية
اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا نهائيا بشأن تنفيذ عمليات عسكرية ضد عمليات تهريب المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا إلى أوروبا، من قبل وزراء خارجية ودفاع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلال لقائهم في بروكسل يوم الأثنين الماضي، على ان يكون مقر قيادة هذه العمليات في روما، تحت إمرة اللواء البحري اينريكو كريديندينو من ايطاليا. فقد تبدأ هذه العمليات في النصف الثاني من الشهر المقبل بجمع المعلومات الاستخباراتية عن أماكن تجمعات المهربين والمهاجرين، ومن ثم يمكن استخدام القوة ضدهم، ليس فقط في البحر، بل وفي الأراضي الليبية أيضا، حيث لابد من تدمير قواعد المهربين والأماكن التي ترسو فيها سفنهم.
إن موافقة مجلس الأمن الدولي على طلب الاتحاد الأوروبي مرهونة بموقف روسيا والصين اللتين يحق لهما استخدام حق النقض "الفيتو". كما أن موقف السلطات الليبية غير واضح إلى الآن. ومن المعلوم أن ليبيا تعيش منذ أشهر حربا اهلية حقيقية، وهناك حكومتان، إضافة إلى الجهاديين الذين بايعوا "الدولة الإسلامية". ففي العاصمة طرابلس يقع مقر حكومة وبرلمان غير معترف بهما دوليا. أما البرلمان المنتخب ديمقراطيا والحكومة الشرعية المعترف بهما دوليا فقد اضطرا إلى نقل مقر عملهما إلى مدينة طبرق. كما إن الجهاديين يعارضون بشدة أي وجود عسكري أجنبي على الأراضي الليبية، وهددوا بالانتقام من "الغزاة".
الأمر لا يحتاج الى الكثير من النباهة للإقرار بأن الفوضى لتي تعم ليبيا هي السبب الرئيسي وراء أزمة المهاجرين.... لذا يعتبر جوهر موضوعنا هو مدى تأثير الهجرة على المستقبل الاوربي، وهل يتعلق الأمر بهجرة البشر أم بهجرة الفوضى؟
منذ انطلاق مشهد التغيير الشبابي والثورة الشعبية في تونس ومصر، طرح سؤال جوهري لا زال مطروحا بإلحاح مفاده : لماذا انتفض الشباب العربي اليوم بعد عقود من الاستبداد والظلم؟
وللمساهمة في هذا اللغط سنحاول ربطه بسؤال آخر مفاده : ما علاقة هذه الثورات الشعبية بنظرية أو مقولة "الفوضى الخلاقة" التي أطلقتها الإدارة الأمريكية منذ سنوات؟
وفي محاولة منا التقدم نحو المستقبل، لعلنا نحصل على قراءة مختلفة، نطرح سؤالا ثالثا، مفاده : هل يمكن انتقال هذه "الفوضى الخلاقة" نحو الشمال الأوربي؟
1- من الربيع العربي إلى الفوضى الى الهجرة العلنية :
بدون انذار... وبدون مقدمات ...وبدون إعلان ... هبت ثورة مطلبية شبابية عربية من المحيط الى الخليج ...لم يتوقع أحد أن تكون بتلك القوة والانتشار والتشابه ..!! كل ما سبق ذلك هو كلامً قليل، صدر منذ سنوات مضت، على لسان وزيرة الخارجية السمراء ، كوندليزا رايس، حين قالت " أن الشرق الأوسط سوف يتعرض لزلزال سياسي سوف يغير الواقع والأشخاص ..!! بل وضحت قائلة :" أن الشرق الأوسط سوف يكون مسرحا "لفوضى خلاقة "...
وما أن انتقلت عدوى الفوضى الخلاقة التي ضربت تونس، بأدق تفاصيلها وبكل شعاراتها وهتافاتها وإعلامها المنحاز والمؤجج، الى مصر.. حتى اتضح وتأكد للحاكم والمحكوم في الوطن العربي إن المسرح أَعد .. وإن السيناريو قد أكتمل .. بل إن سياسة الفوضى أصبحت واقع معاش ومفروض ..
في نفس الفترة، لاحظنا ان مجموعة من الدول التي لم تنجح فيها تلك فوضى ، ستشهد مظاهر مقلقة من نوع آخر.... على رأسها النمو المفاجئ لظاهرة الهجرة ، كما كان ولا يزال في البلدان القريبة من المحيط الاوربي، كالمغرب والجزائر وتركيا.... وفي وقت لاحق انظمت كل من تونس وليبيا....
هجرة لم تعد سرية بل علنية، بحيث أصبحت تعقد مؤتمرات وتبرم صفقات حول الظاهرة، بل القيام بضغوط على بعض دول المرور مثل المغرب لاستيعاب هؤلاء المهاجرين مقابل مساعدات مالية هامة. وبالفعل، بعض الدول ، قبلت دور شرطي المرور للحد من تدفق مهاجرين نحو الشمال الأوربي.
هنا سجلنا على الأقل ملاحظتين هامتين في رأينا :
الأولى: تتعلق بالقدرة المحدودة لدول المرور التي تحولت بقدرة قادر الى دول استقبال. إذ وعلى الرغم من المساعدات المالية، لا يمكنها وهي التي تعاني من العديد من المشاكل الاجتماعية الناتجة عن عدم قدرتها على تدبير أمر مواطنيها الأصليين أن تستقبل عدد كبير من الناس للوفاء بحاجياتهم...
الثانية : مجموعة من الدراسات أثبتت أن حكومات دول "التصدير" كانت تعمل على دفع شعوبها إلى الهجرة خوفاً من انتشار "الفوضى " وكذا تفاقم الوضع الأمني بشكل مسترسل في مجموعة كبيرة من دول الجنوب والشرق....
نخلص إلى نتيجة، ستشكل أساس بحثنا هذا، أن ثنائية "الفوضى والرغبة في الهجرة" أدى إلى تشكيل اتحاد سوسيو اقتصادي تجاوز سيطرة بلدان الجنوب، وهو في طور الانتقال نحو أوربا... لتصبح دول الشمال أمام واقع جديد نتساءل عن قدرتها على مقاومته؟
قبل محاولة الغوص في الجواب على هذا السؤال، سنبدأ بتحليل مفهوم "الفوضى" كما تداولته الفلسفات العالمية، ثم سنسلط بعض الأضواء على الأبعاد الأيديولوجية والسوسيو-اقتصادية لظاهرة الهجرة، كي نخلص من وجهة نظرنا إلى الأبعاد السياسية والعسكرية للثنائي (الفوضى-الهجرة) وانعكاساته على الواقع الأوربي.
يتبع
تحياتي
عبد العالي جابري
23 ماي 2015